
Preview 15 sec
GitHub
رحلة الغفران: من الظلام إلى النور
Script Vidéo
في ليلة شاتية، يجلس سامي على كرسيه الخشبي، يطيل النظر إلى السماء. كان كل شيء حوله يشهد على فوضى حياته: الأوراق الممزقة، الأثاث الأصم، المعنى الغائب، وحتى وجهه الذي ملأته التجاعيد قبل أوانها. أحاطت به الذكريات كأشباح تذكره بأيام لم يكن فيها سوى ظل إنسان، غارقًا في خطاياه، هاربًا من نفسه، بعيدًا عن ربه.
في إحدى الليالي، كان يقلب هاتفه بحثًا عن شيء يملأ به فراغه. لقد أمضه الفراغ. استوقفته كلمات شيخ مسن بلكنة عامية ممزوجة بفصحى ظريفة يتحدث عن اسم الله الغفور، قال: "ربك يناديك، لا تقنط من رحمتي مهما عظمت ذنوبك، أنا الغفور الذي يفرح بعودتك أكثر مما تفرح أنت، لو لم تذنب لأتيت بقوم يذنبون ثم يستغفرون فأغفر لهم".
تذكر أنك في بلاء تكابد الشهوات، فمتى وقعت في أسر ذنب اطرق باب السماء وقل: يا غفور يا الله، فإن الرب يفرح بتوبتك ويحيل الذنب إلى حسنات، وإذا عدت إلى الارتكاس عد إلى العلو بالاستغفار حتى تلقى الله وأنت في مجاهدة عظيمة للوصول إليه سالمًا من الآفات.
تلك الكلمات كانت كصفعة أيقظت شيئًا ميتًا بداخله، ظل الصوت يتردد في أذنيه حتى أغلق الهاتف وأسند رأسه إلى الحائط ثم همس لأول مرة منذ سنوات: يا الله هل يمكن أن تقبلني بعد كل ما صنعت؟
في تلك الليلة انكسر سامي بين يدي ربه، رفع يديه المرتعشتين ونادى باسم الغفور طالبًا عفوًا يعيد إليه روحه التي فقدها. لأول مرة شعر بأن ثقله قد بدأ يخف، وكأن الأبواب التي ظنها مغلقة قد فتحت أمامه. لأول مرة أحس بمعنى الغفور غافر الذنب الإله العظيم الذي يقبل العائد إليه.
مع الأيام بدأت رحمة الله تظهر له في تفاصيل حياته الصغيرة، اتصل به صديق قديم ليعرض عليه عملًا جديدًا أعاذ له شيئًا من كرامته، وجد نفسه يعود إلى والدته بعد قطيعة طويلة ليجد قلبها يفيض بدعوات لطالما كانت تنتظره. أدرك حينها أن اسم الله الرحيم لا يعني فقط مغفرة الماضي بل ألطاف الحاضر التي تحيط به دون أن يشعر، وعرف أن الله الغفور يمحو أثقل الخطايا، والرحيم يغمره بلطفه وحنانه ورعايته حتى في أبسط الأمور.
اليوم سامي رجل جديد، كل صلاة يصليها هي وعد بألا يعود إلى ظلامه، وكل سجدة يرفعها هي رسالة شكر للغفور الرحيم الذي لم يتركه حين ترك هو نفسه. يا رب عرفتك غفورا فغسلت قلبي، عرفتك رحيما فأحاطتني ألطافك، عرفتك ربي فأحببتك حبًا لا ينقطع.